تيار المستقبل: من نعيم السلطة الى حقيقة الشارع

 

almustaqbal.org

تناولنا في مقالة سابقة عن أحد أثنين من المحرّكين في السياسة اللبنانية: وقد عنيت به حزب الله، الذي يعيش الآن ذروة القوة ونشوة النصر، مع غموض لناحية المستقبل القريب والبعيد للتنظيم المدجّج بالعقيدة والسلاح والمال.

أمّا في المقالة الحالية فسنتناول تيار المستقبل.

 

تيار المستقبل يكاد يكون الى جانب التيار الوطني الحر التنظيمين السياسيين الذين لم يدخلا الحرب اللبنانية من باب الميليشيات المتقاتلة مع اختلاف وضعية كل منهما. وتعود بداية التيار المستقبلي الى صعود نحم زعيمه الأول الشهيد رفيق الحريري أبّان ثمانينات القرن الماضي بعد الأجتياح الأسرائيلي للبنان، و”تبرّعه” بتنظيف وازالة العوائق في طرقات بيروت والاوتوستراد الساحلي الى صيدا. ومن باب “تنظيف” الوسخ الأهلي اللبناني دخل الحريري الى باب السياسة معتمراّ اللباس السعودي التقليدي حاملاّ الراية السعودية والأموال السعودية وظلّ دوره يكبر حتى انعقاد مؤتمر الطائف اذ كان الحريري المحرّك الأول له والأكثر حركة بين الأطراف وبين سوريا لإقرار التسوية التي تنهي الحرب الأهلية.

 

انتهت الحرب وأتت حكومة عمر كرامي التي انتهى عهدها على دخان الأنتفاضة الشعبية المدبّرة سوريا لإدخال الحريري كمنقذ للبلد ولليرة اللبنانية. وهكذا كان، دخل الحريري الواجهة السياسية للبنان وأدخل معه حيوية مفتقدة في النظام السياسي الذي ما زال يعيش تداعيات الحرب الأهلية والتعايش مع النفوذ السوري المقرّر في البلد.

بدأالحريري حكمه وأنتهى على الكثير من التساؤلات والأنتقادات. فمنذ بداية عهده، عمد الحريري الى اقرار قانون الوسط التجاري الذي ما زالت تداعياته تتفاعل بالنسبة للمالكين وأصحاب الحقوق ومستقبل المدينة، والحقيقة ان اقرار القانون أتى مع حزمة من “الرشوات” التدابير القانونية للحصول على الدعم:

فمن لا يذكر وادي أبو جميل – وادي أبو الذهب الذي جنت منه العائلات المهجّرة أضعاف حقوقها الأساسية (بدعم وتواطؤ علني من حزب الله وحركة أمل)، واقرار قوانين مجلس الجنوب (أمل) ووزارة المهجرين (جنبلاط) وغيرها من المجالس والصناديق التي أصبحت مشكلة بدل وضع الحل اللازم.  واستمر حكم الحريري في مجلس الوزراء بعد انتخابات 1996 حيث نجح في بيروت وبرزكقطب سياسي “سنّي” أول في الساحة اللبنانية، الى حين انتخاب الرئيس أميل لحود لرئاسة الجمهورية وانعدام الثقة بين الرجلين، فانسحب الحريري وتوجّه نحو المعارضة للمرة الأولى في تاريخه السياسي، حيث نجح في اتنخابات 2000 مع حليفه جنبلاط آنذاك في حصد الأكثرية وعاد لمجلس الوزراء متوّجاً بالتاج الديمقراطي زعيماً اوّل في لبنان. في تلك الوقلت تشكّل تيار الحريري – المستقبل بالأساس من الصوت السني ومعظمهم من الشباب المتعلّم الذي يبحث عن أفق جديد في السياسة اللبنانية وكسر التقليد السياسي والفراغ الذي أحدثته الحرب على المستوى السني بشكل خاص. وكان التيار بداية ناشطاً في الجامعات من خلال المساعدات التربوية الكثيرة التي يصرفها الحريري، كما من خلال المؤسسات الأعلامية والأهلية التي تعمل على تشكيل تيار متجدذد في الشارع اللبناني خارق للطوائف

.

 

تابع الحريري حكمه مع التعايش القسري بينه وبين الرئيس لحود، وبينه وبين القيادة السورية الجديدة المتوترة الخائفة من تزايد نفوذه الدولي. في تلك الفترة عايش الحريري الأنسحاب الأسرائيلي من لبنان، وانتقال السلطة في سوريا، والأفق المسدود لعملية السلام في المنطقة، والمسألة الأهم عنده كانت احتفاظ  حزب الله بسلاحه واستمرار المعادلة التي أرساها الرئيس حافظ الأسد: الأقتصاد للحريري والسياسة للسوريين. بالأضافة الى معادلة “هانوي – هونغ كونغ” أي استحالة المواءمة بين المقاومة وبين الانفتاح. وبين تلك الخطوط الحمر الكثيرة سار الحريري بتأنّ واصبح الرجل الوحيد الذي تفتح له الأبواب كلّها حتى أصبح وزير خارجية سوريا ولبنان والمملكة السعودية أيضاً.

 

في العام 2004 أتى استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية حيث عارض الحريري – جنبلاط – قرنة شهوان تعديل الدستور لأعادة انتخاب لحود للرئاسة، عندها استجاب الحريري – بعكس حليفيه – للضغوط السورية العنيفة وقبل التمديد لكنه اعتذر عن تكليف الحكومة وانتقل للمرة الثانية في عهد لحود الى المعارضة. وكانت محاولة اغتيال النائب مروان حمادة في آخر العام 2004 أنذار شديد للمعارضة بضرورة الأنصياع للقرار السائد. ففي تلك الأثناء تشكّل ما عرف بلقاء البريستول للمعارضة اللبنانية للوضع السائد، وقابله لقاء عين التينة من حلفاء السوريين في لبنان

.

في 14 شباط 2005 اغتيل رفيق الحريري وسط ذهول داخلي وخارجي، وكاد التيار يسقط لولا الحضانة السعودية الجنبلاطية له، اذ ان انصار الأخير كانوا من أمّن جنازة لائقة للرئيس الشهيد يوم تشييعه كما يظهره الإعلام. وكان يوم 14 اذار حيث ظهر الشاب سعد الحريري الوريث الرسمي للعائلة والتيار والمشروع. وكان آنذاك يتمتّع بأوسع تأييد وطني وشعبي بسبب استثنائية وضعه. ومنذ ذلك خاض الحريري الأبن المعركة النيابية في العام 2005 ونال الاكثرية وشكّل الحكومة بواسطة فؤاد السنيورة. ومع البلد خاض الحريري معارك تثبيت حكمه وأحقّيته بالحكم من خلال مكافحة الاغتيال السياسي  واقرار المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري، و حرب تموز، ومعركة نهر البارد والأعتصامات التي قامت العام 2006 من المعارضة وشلّالحركة الأقتصادية في البلد. ونجح الحريري في العام 2008 من اجتياز قطوع 7 أيار الذي هدف الى تصفية الحيوية المستقبلية في شوارع بيروت والانتقام من وليد جنبلاط في الجبل (للتذكير فقط هدّد بشار الأسد كلّ من الحريري الأب ووليد جنبلاط  بتكسير بيروت والجبل فوق رأسهما). فكانت انتخابات 2009 حيث نال الحريري ومعه 14 أذار على الأكثرية من جديد رغم التهديد والوعيد من المعارضة آنذاك. وأصبح بعدها الرئيس سعد الحريري رئيساً لحكومة لبنان، غير أن حكمه تميّز بانعدام التوازن بسبب المعارضة الخفيّة التي مارسها حزب الله وحلفاؤه بوجه أي اندفاعة محتملة للحريري، الذي مضى في انفتاحه وزار دمشق وتصالح مع النظام السوري (مؤقّتاً؟؟).

 

بدأ الحريري يتلقى الضربة تلة الأخرى، من المعارضة العونية الى البرودة السورية حتى ازدادت الحماوة مع طرح موضوع شهود الزور بعد خروج الضباط الأربعة من السجن، وحاول الحريري استعادة زمام المبادرة من غير نجاح اذ ان المعارضة استلمت المبادرة ووليد جنبلاط مال نحوها ورئيس الجمهورية لا يُركن اليه لأنّ لا حول ولا قوة له.

وهكذا بدأ المسار التنازلي للحريري مع الحوار السوري السعودي المباشر في المسألة اللبنانية وما تلاها من الحديث عن مبادرة ال “سين – سين” أي سوريا السعودية لحل المشاكل اللبنانية، وكانت الضربة الموجعة مع استقالة الوزراء المعارضين من الحكومة بوقت وجود رئيس الحكومة في واشنطن مع اوباما، ثم كانت الضرية القاصمة مع تسمية الحليف السابق نجيب ميقاتي كرئيس للحكومة الجديدة.

 

هي مسيرة لتيّار انتقل بين السلطة والمعارضة، ونجح مؤسسه باستقطاب الجمهور وازعاج الخصوم بسبب حنكته السياسية وخبرته بالمزاج اللبناني، ونال أوسع تأييد شعبي مع استشهاد الحريري ما كانت مؤسساته الخيرية والتربوية تمارس في المجتمع اللبناني من تحسينات لم يكن أي حزب أو تيار او شخصية تقدر على عمله. أما مع سعد الحريري فنلاحظ أن أداء التيار أصبح أكثر حدّية ومزاجية، واثّرت قلة الخبرة لدى الطاقم الأول في التيار على قرارات زعيمه، ورغم الأمكانيات الهائلة التي تمكّنه من ممارسة دور أكثر فعالية وقدرة على التفاعل مع الظروف، مارس الحريري ما يشبه سياسة القوقعة والأرتداد نحو المذهب، سياسة تلقي الضربات من الخصوم من دون الرد المناسب عليها، وهذا ما جعله دائماً في موقع الدفاع، وعلى الرغم من التفهّم من هذه السياسة الاستيعابية الا أنها في نهاية الأمر أدّت الى تلقي المستقبل ضربة تكاد تكون قاصمة ومنهية له.

 

مع انتقال المستقبل من السلطة المخملية ومميّزاتها الى الشارع وحقيقته، تولد لسعد الحريري الفرصة الذهبية لممارسة النقد الذاتي لما سبق، وتنظيف البيت الداخلي من جميع المستوزرين والحراميي والعلق الذين يجدون في الحريري وتياره مصدراً للرزق والسمسرة وتحقيق الأرباح المالية. انها فرصة الحريري لكي يستعيد تجربة والده الشهيد حتى تكون المعارضة اعادة قراءة لنبض الناس وتلقّفها، ففقط حينئذ يستطيع سعد الحريري ان يدخل البرلمان زعيماً للأكثرية، ويستعيد مفاتيح السراي. غير أن كل ذلك يستند الى تقبّل الحريري لوضعه الحالي وإعمال المنطق والحزم فيما خصّ تيار المستقبل، اذا كان يريده تيّاراً وطنياّ ام قوقعة سنّية تنضم لقوقعات الطوائف في بلد “الانفتاح”.

السمتقبل بيد الحريري، ومعه لبنان، فماذا سيختار سعد؟

 

 

arabic.arabia.msn

 

 

 

Posted on 27 جانفي, 2011, in ملفات, سياسة, شخصيات and tagged , , , , , , , . Bookmark the permalink. تعليق واحد.

  1. يللي بيعرفو بيت الحريري بيخبروك انو دايما الطعنة بتيجيهن من يللي اكلو بمعجنن… بس انا ما شفت سعد الحريري متقوقع ع طايفتو بشكل نافر بالعكس كل التنازلات الخاطئة يللي قدمها كانت ت يثبت العكس… و لا التنازلات نفعت و لا الباقيين قدرو يشوفوه غير زعيم سني…
    سعد الحريري بدو وقت طويل للملمة تجربتو و دراستها، وقت للأسف ما بيملكو…

    إعجاب

أضف تعليق